بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل (وَأَيُّوبَ
إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ) (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ
وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا
وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء:84)
والصّلاة والسّلام على رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم القائل :
عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنـّهما سمعا رسول الله صلـّى الله عليه وسلم يقول ما يصيب المؤمن من وصب لا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهمّ يهمـّه إلا كفـّر به من سيئاته ( متفق عليه)
لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في جسده وأهله وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة".( صحيح الأدب المفرد للبخاري رحمه الله تعالى)
وأخرج مسلم أنه صلـّى الله عليه وسلـّم قال ( عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلاللمؤمن، إن أصابه سراء فشكر الله فله أجر، وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر، فكل قضاءالله للمسلم خير)
أقول لكل مريض – مهما كن مرضه – ارضَ بما قسم الله لك ، واعلم أنك إن صبرت واحتسبت ، صار هذا المرض تكفيراً لخطيئاتك .. ورفعة في درجاتك ..
وأظهر الرضا والتـّسليم لكل من زارك ، ليعلموا أن لله عباداً يحبونه ، يرضون بقضائه ، ويصبرون على بلائه ، يباهي الله بهم أهل السماء ، ويجعلهم قدوة لأهل الأرض ..
أفلا تكون منهم ؟؟ !!
فيا أخي الحبيب يا من ابتليتَ بالمرض اعلم رحمك الله أنّ هذه الدنيا دار بلاء وامتحان ، وفرح وأحزان ، ومرض وأسقام ،
فالله تعالى خلق هذا الإنسان وأوجده في هذه الحياة ليبتليه قال تعالى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (2) سورة الملك.
والابتلاء تارة يكون بالخير وتارة يكون بالشر قال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}(35) سورة الأنبياء.
ومن ذلك الابتلاء بالمرض.
فإنّ كثيراً ممن ابتلاهم الله تعالى بالمرض لجهلهم بفوائد المرض يتسخـّطون ويشكون ولا يصبرون على ذلك المرض؛ بل إن بعض المرضى الذين ابتلوا بأمراض مستعصية كالسرطان؛ بلغ بهم اليأس مبلغاً عظيماً فتجد الواحد منهم قد ضعف صبره وكثر جزعه وعظم تسخطه وانفرد به الشيطان يوسوس له ويذكره بالمعاصي الماضية حتى يقنطه من روح الله، مع أن المريض لا خوف عليه ما دام موحداً ومحافظاً على الصلاة،
فأحسن الظنّ بربك وخصوصا إن اشتد عليك المرض وشعرتَ أنّ الأجل قد اقترب فقد قال صلى الله عليه وسلم- : (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل) رواه مسلم
ويقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (أنا عند ظن عبدي، وأنا معه إذا ذكرني)أخرجه البخاري
وعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بقضاء الله، فإن عاش لم يـُحرم الأجر، وإن مات فإلى رحمة الله إن شاء الله تعالى.
فإذا تقرر هذا كله فلنرى ما هي فوائد المرض العظيمة وما يترتب عليه من مصالح ومنافع قلبية وبدنية.
من فوائد المرض ما يأتي:
1-أنه تهذيب للنفس، وتصفية لها من الشر الذي فيها: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)الشورى:30
فإذا أصيب العبد فلا يقل: من أين هذا، ولا من أين أتت؟
فما أصيب إلا بذنب، وفي هذا تبشير وتحذير إذا علمنا أن مصائب الدنيا عقوبات لذنوبنا ومطهـّرات لها بإذنه تعالى :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا سَقَمٍ وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ( رواه مسلم)،
وقال-صلى الله عليه وسلم- : (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) أخرجه الترمذي ،وصحح الألباني في الصحيحة ،
فإذا كان للعبد ذنوب ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن أو المرض، وفي هذا بشارة فإن مرارة ساعة وهي الدنيا أفضل من احتمال مرارة الأبد، يقول بعض السلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس .
2- ومن فوائد المرض: أن ما يعقبه من اللذة والمسرّة في الآخرة أضعاف ما يحصل له من المرض، فإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والعكس بالعكس، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ) أخرجه مسلم
وأخرج الترمذي عن جابر مرفوعاً: (يود النـّاس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء) أخرجه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع
3- ومن فوائد المرض: قرب الله من المريض، وهذا قرب خاص، يقول الله: (ابن آدم، عبدي فلان مرض فلم تعده، أما لو عدته لوجدتني عنده) رواه مسلم .
4: - ومن فوائد المرض: أنـّه يـُعرف به صبر العبد، فكما قيل: لولا الامتحان لما ظهر فضل الصبر،
عن أنس مرفوعاً: (إنّ عظم الجزاء من عظم البلاء، وإنّ الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، وفي رواية: (ومن جزع فله الجزع) رواه الترمذي وصححه الألباني ،
قال الفضيل -رحمه الله-: فإذا أحب الله عبداً أكثر غمـّه، وإذا أبغض عبداً وسع عليه دنياه ،
وخصوصاً إذا ضيـّع دينه، فإذا صبر العبد إيماناً وثباتاً كتب في ديوان الصابرين، وإن أحدث له الرضا كتب في ديوان الراضين، وإن أحدث له الحمد والشكر كان جميع ما يقضي الله له من القضاء خيراً له، أخرج مسلم من حديث صهيب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمره كلـّه خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابه سراء فشكر الله فله أجر، وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر، فكل قضاء الله للمسلم خير) أخرجه مسلم
5- ومن فوائد المرض: انتظار المريض للفرج، وأفضل العبادات انتظار الفرج، الأمر الذي يجعل العبد يتعلق قلبه بالله وحده، وهذا ملموس وملاحظ على أهل المرض أو المصائب، وخصوصاً إذا يئس المريض من الشفاء من جهة المخلوقين وحصل له الإياس منهم وتعلق قلبه بالله وحده، وقد ذكر أن رجلاً أخبره الأطباء بأن علاجه أصبح مستحيلاً، وأنـّه لا يوجد له علاج، وكان مريضاً بالسرطان، فألهمه الله الدعاء في الأسحار، فشفاه الله بعد حين، وهذا من لطائف أسرار اقتران الفرج بالشدة إذا تناهت وحصل الإياس من الخلق، عند ذلك يأتي الفرج، فإن العبد إذا يئس من الخلق وتعلق بالله جاءه الفرج، وهذه عبودية لا يمكن أن تحصل إلا بمثل هذه الشدة {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا} يوسف:110.
6- ومن فوائد المرض: أنه علامة على إرادة الله بصاحبه الخير، فعن أبي هريرة مرفوعاً:(من يرد الله به خيراً يصب منه) رواه البخاري ،
عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعرابي
: « هل أخذتك أمّ ملدم (1) قط (2) ؟ » قال : وما أمّ ملدم ؟ قال : « حرّ بين الجلد واللحم » . قال : ما وجدت هذا قط قال : « فهل أخذك الصداع قط ؟ » قال : وما الصداع ؟ قال : « عرق يضرب على الإنسان في رأسه » . قال : ما وجدت هذا قط ، فلما ولـّى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل النـّار فلينظر إلى هذا » « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه »
(1) أم ملدم : الحمى
(2) قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان.
7- ومن فوائد المرض: أن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة والتعرف على الله في الرخاء، فإنـّه يحفظ له عمله الصالح إذا حبسه المرض، وهذا كرم من الله وتفضل، هذا فوق تكفير السيئات، حتى ولو كان مغمى عليه، أو فاقداً لعقله :
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ابتلى الله عز وجل العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله عز وجل للملك اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل وإن شفاه غسله وطهره وإن قبضه غفر له ورحمه ( صحيح التـّرغيب والتـّرهيب)
7-ومن فوائد المرض: أن يعرف العبد مقدار نعمة معافاته وصحته، فإنه إذا تربى في العافية لا يعلم ما يقاسيه المبتلى فلا يعرف مقدار النعمة، فلولا المرض لما عرف قدر الصحة، ولولا الليل لما عرف قدر النهار، ولولا هذه الأضداد لما عرفت كثير من النعم، {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}البقرة:216.
ومن ذاق ألم الأمراض عرف بعد ذلك قيمة الصحة .
فيا أخي المبتلى لو فتـّشتَ العالم لَمْ ترَ فِيهِمْ إلّا مُبْتَلًى إمّا بِفَوَاتِ مَحْبُوبٍ أَوْ حُصُولِ مَكْرُوهٍ ،
وَأَنّ شُرُورَ الدّنْيَا أَحْلَامُ نُوّمٍ أَوْ كَظِلّ زَائِلٍ إنْ أَضْحَكَتْ قَلِيلًا أَبْكَتْ كَثِيرًا وَإِنْ سَرّتْ يَوْمًا سَاءَتْ دَهْرًا ،
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - لِكُلّ فَرْحَةٍ تِرْحَةٌ وَمَا مُلِئَ بَيْتٌ فَرَحًا إلاّ مُلِئَ تَرَحًا وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ : مَا كَانَ ضَحِكٌ قَطّ إلّا كَانَ مِنْ بَعْدِهِ بُكَاءٌ .
فيا أخي الغالي عليك أن ترضى بقضاء الله وقدره رضا حقيقياً ظاهراً وباطناً ففي ذلك سعادة الدنيا والآخرة والراحة والطمأنينة ولذة الحياة التـّامة وامتثل وصية النـّاصح الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. رواه مسلم وأحمد وغيرهما.
فهناك من ابتلي في بدنه بلاء لا يستطيع معه النوم، وهناك من تعطلت كليتاه فيحتاج إلى الغسيل الكلوي دورياً، وهناك من شُلَّت قدماه ويداه فلا يستطيع الحركة إلا بمساعد وهناك من أصيب بالعمى وهناك من أصيب بالجذام وتساقط لحمه وقذره الناس وفروا منه حتى لا تصيبهم العدوى، وهناك من جُنَّ وضحك منه الصبيان وطاردوه في الشوارع ورموه بالحجارة، فأين أنت من هؤلاء؟ والله أنت في نعمة وسيزيد شعورك بها إذا قارنت نفسك بمن هو أشد بلاء منك وبمن هو أدون منك في أمور الدنيا.
فلا تستسلم لإحزان الشيطان لك، وثق بالله، وأر ِ الله منك صبراً جميلاً واشكره على ما أنت فيه، واحمده حمداً كثيراً، ولا تتمنّ الموت فإنّ في حياتك شاكراً صابراً محتسباً رفعا لدرجاتك وتكفيرا لسيئاتك وفي موتك قطعا لذلك كله، ولا تغفل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يتمنـّينّ أحدكم الموت من ضرّ أصابه فإن كان لا بدّ فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي . متفق عليه.
وحذار أخي الغالي من اليأس من رحمة الله، قال الله تعالى: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}، وقال تعالى: وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {الحجر:56}.
وإليك الأآن أخي الغالي بعض القصص التي فيها عبر وأيّ عبر علـّنا نتـّعظ ونعتبر ملاحظة لن أذكر قصص الأنبياء عليهم السلام حتـّى لا يقول قائل وكيف أستطيع أن أكون مثلهم ، مع أنّ المطلوب منـّا أن نقتدي بهم :
فالله تعالى خلق هذا الإنسان وأوجده في هذه الحياة ليبتليه قال تعالى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (2) سورة الملك.
والابتلاء تارة يكون بالخير وتارة يكون بالشر قال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}(35) سورة الأنبياء.
ومن ذلك الابتلاء بالمرض.
فإنّ كثيراً ممن ابتلاهم الله تعالى بالمرض لجهلهم بفوائد المرض يتسخـّطون ويشكون ولا يصبرون على ذلك المرض؛ بل إن بعض المرضى الذين ابتلوا بأمراض مستعصية كالسرطان؛ بلغ بهم اليأس مبلغاً عظيماً فتجد الواحد منهم قد ضعف صبره وكثر جزعه وعظم تسخطه وانفرد به الشيطان يوسوس له ويذكره بالمعاصي الماضية حتى يقنطه من روح الله، مع أن المريض لا خوف عليه ما دام موحداً ومحافظاً على الصلاة،
فأحسن الظنّ بربك وخصوصا إن اشتد عليك المرض وشعرتَ أنّ الأجل قد اقترب فقد قال صلى الله عليه وسلم- : (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل) رواه مسلم
ويقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (أنا عند ظن عبدي، وأنا معه إذا ذكرني)أخرجه البخاري
فعلى
المؤمن أن يصبر على البلاء مهما اشتد فإن مع العسر يسراً، وعذاب الدنيا
أهون من عذاب الآخرة ، يقول أنس: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل على
شاب وهو في الموت، فقال:(كيف تجدك؟ قال:
أرجو رحمة الله يا رسول الله، وأخاف ذنوبي، فقال: (لا يجتمعان في قلب عبد
في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمَّنه مما يخاف)أخرجه الترمذي وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح .
(ملاحظة فلا يسيء أحدنا العمل بحجة هذا الحديث، فلعل الموت يأتينا بغتة ). وعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بقضاء الله، فإن عاش لم يـُحرم الأجر، وإن مات فإلى رحمة الله إن شاء الله تعالى.
فإذا تقرر هذا كله فلنرى ما هي فوائد المرض العظيمة وما يترتب عليه من مصالح ومنافع قلبية وبدنية.
من فوائد المرض ما يأتي:
1-أنه تهذيب للنفس، وتصفية لها من الشر الذي فيها: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)الشورى:30
فإذا أصيب العبد فلا يقل: من أين هذا، ولا من أين أتت؟
فما أصيب إلا بذنب، وفي هذا تبشير وتحذير إذا علمنا أن مصائب الدنيا عقوبات لذنوبنا ومطهـّرات لها بإذنه تعالى :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا سَقَمٍ وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ( رواه مسلم)،
وقال-صلى الله عليه وسلم- : (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) أخرجه الترمذي ،وصحح الألباني في الصحيحة ،
فإذا كان للعبد ذنوب ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن أو المرض، وفي هذا بشارة فإن مرارة ساعة وهي الدنيا أفضل من احتمال مرارة الأبد، يقول بعض السلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس .
2- ومن فوائد المرض: أن ما يعقبه من اللذة والمسرّة في الآخرة أضعاف ما يحصل له من المرض، فإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والعكس بالعكس، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ) أخرجه مسلم
وأخرج الترمذي عن جابر مرفوعاً: (يود النـّاس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء) أخرجه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع
3- ومن فوائد المرض: قرب الله من المريض، وهذا قرب خاص، يقول الله: (ابن آدم، عبدي فلان مرض فلم تعده، أما لو عدته لوجدتني عنده) رواه مسلم .
4: - ومن فوائد المرض: أنـّه يـُعرف به صبر العبد، فكما قيل: لولا الامتحان لما ظهر فضل الصبر،
عن أنس مرفوعاً: (إنّ عظم الجزاء من عظم البلاء، وإنّ الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، وفي رواية: (ومن جزع فله الجزع) رواه الترمذي وصححه الألباني ،
قال الفضيل -رحمه الله-: فإذا أحب الله عبداً أكثر غمـّه، وإذا أبغض عبداً وسع عليه دنياه ،
وخصوصاً إذا ضيـّع دينه، فإذا صبر العبد إيماناً وثباتاً كتب في ديوان الصابرين، وإن أحدث له الرضا كتب في ديوان الراضين، وإن أحدث له الحمد والشكر كان جميع ما يقضي الله له من القضاء خيراً له، أخرج مسلم من حديث صهيب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمره كلـّه خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابه سراء فشكر الله فله أجر، وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر، فكل قضاء الله للمسلم خير) أخرجه مسلم
5- ومن فوائد المرض: انتظار المريض للفرج، وأفضل العبادات انتظار الفرج، الأمر الذي يجعل العبد يتعلق قلبه بالله وحده، وهذا ملموس وملاحظ على أهل المرض أو المصائب، وخصوصاً إذا يئس المريض من الشفاء من جهة المخلوقين وحصل له الإياس منهم وتعلق قلبه بالله وحده، وقد ذكر أن رجلاً أخبره الأطباء بأن علاجه أصبح مستحيلاً، وأنـّه لا يوجد له علاج، وكان مريضاً بالسرطان، فألهمه الله الدعاء في الأسحار، فشفاه الله بعد حين، وهذا من لطائف أسرار اقتران الفرج بالشدة إذا تناهت وحصل الإياس من الخلق، عند ذلك يأتي الفرج، فإن العبد إذا يئس من الخلق وتعلق بالله جاءه الفرج، وهذه عبودية لا يمكن أن تحصل إلا بمثل هذه الشدة {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا} يوسف:110.
6- ومن فوائد المرض: أنه علامة على إرادة الله بصاحبه الخير، فعن أبي هريرة مرفوعاً:(من يرد الله به خيراً يصب منه) رواه البخاري ،
عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعرابي
: « هل أخذتك أمّ ملدم (1) قط (2) ؟ » قال : وما أمّ ملدم ؟ قال : « حرّ بين الجلد واللحم » . قال : ما وجدت هذا قط قال : « فهل أخذك الصداع قط ؟ » قال : وما الصداع ؟ قال : « عرق يضرب على الإنسان في رأسه » . قال : ما وجدت هذا قط ، فلما ولـّى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل النـّار فلينظر إلى هذا » « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه »
(1) أم ملدم : الحمى
(2) قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان.
7- ومن فوائد المرض: أن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة والتعرف على الله في الرخاء، فإنـّه يحفظ له عمله الصالح إذا حبسه المرض، وهذا كرم من الله وتفضل، هذا فوق تكفير السيئات، حتى ولو كان مغمى عليه، أو فاقداً لعقله :
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ابتلى الله عز وجل العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله عز وجل للملك اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل وإن شفاه غسله وطهره وإن قبضه غفر له ورحمه ( صحيح التـّرغيب والتـّرهيب)
7-ومن فوائد المرض: أن يعرف العبد مقدار نعمة معافاته وصحته، فإنه إذا تربى في العافية لا يعلم ما يقاسيه المبتلى فلا يعرف مقدار النعمة، فلولا المرض لما عرف قدر الصحة، ولولا الليل لما عرف قدر النهار، ولولا هذه الأضداد لما عرفت كثير من النعم، {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}البقرة:216.
ومن ذاق ألم الأمراض عرف بعد ذلك قيمة الصحة .
فيا أخي المبتلى لو فتـّشتَ العالم لَمْ ترَ فِيهِمْ إلّا مُبْتَلًى إمّا بِفَوَاتِ مَحْبُوبٍ أَوْ حُصُولِ مَكْرُوهٍ ،
وَأَنّ شُرُورَ الدّنْيَا أَحْلَامُ نُوّمٍ أَوْ كَظِلّ زَائِلٍ إنْ أَضْحَكَتْ قَلِيلًا أَبْكَتْ كَثِيرًا وَإِنْ سَرّتْ يَوْمًا سَاءَتْ دَهْرًا ،
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - لِكُلّ فَرْحَةٍ تِرْحَةٌ وَمَا مُلِئَ بَيْتٌ فَرَحًا إلاّ مُلِئَ تَرَحًا وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ : مَا كَانَ ضَحِكٌ قَطّ إلّا كَانَ مِنْ بَعْدِهِ بُكَاءٌ .
فيا أخي الغالي عليك أن ترضى بقضاء الله وقدره رضا حقيقياً ظاهراً وباطناً ففي ذلك سعادة الدنيا والآخرة والراحة والطمأنينة ولذة الحياة التـّامة وامتثل وصية النـّاصح الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. رواه مسلم وأحمد وغيرهما.
فهناك من ابتلي في بدنه بلاء لا يستطيع معه النوم، وهناك من تعطلت كليتاه فيحتاج إلى الغسيل الكلوي دورياً، وهناك من شُلَّت قدماه ويداه فلا يستطيع الحركة إلا بمساعد وهناك من أصيب بالعمى وهناك من أصيب بالجذام وتساقط لحمه وقذره الناس وفروا منه حتى لا تصيبهم العدوى، وهناك من جُنَّ وضحك منه الصبيان وطاردوه في الشوارع ورموه بالحجارة، فأين أنت من هؤلاء؟ والله أنت في نعمة وسيزيد شعورك بها إذا قارنت نفسك بمن هو أشد بلاء منك وبمن هو أدون منك في أمور الدنيا.
فلا تستسلم لإحزان الشيطان لك، وثق بالله، وأر ِ الله منك صبراً جميلاً واشكره على ما أنت فيه، واحمده حمداً كثيراً، ولا تتمنّ الموت فإنّ في حياتك شاكراً صابراً محتسباً رفعا لدرجاتك وتكفيرا لسيئاتك وفي موتك قطعا لذلك كله، ولا تغفل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يتمنـّينّ أحدكم الموت من ضرّ أصابه فإن كان لا بدّ فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي . متفق عليه.
وحذار أخي الغالي من اليأس من رحمة الله، قال الله تعالى: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}، وقال تعالى: وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {الحجر:56}.
وإليك الأآن أخي الغالي بعض القصص التي فيها عبر وأيّ عبر علـّنا نتـّعظ ونعتبر ملاحظة لن أذكر قصص الأنبياء عليهم السلام حتـّى لا يقول قائل وكيف أستطيع أن أكون مثلهم ، مع أنّ المطلوب منـّا أن نقتدي بهم :
عروة بن الزبير !!
عروة
بن الزبير كان من كبار التابعين ..فهو ابن الصحابي الجليل الزبير بن
العوام ..أصيبت رجله بالآكلة .. فجعلت عظامه تتآكل ويسقط عنها اللحم ..فرآه
الأطباء .. فقرروا قطع رجله حتى لا يمتد المرض إلى بقية جسده ..فلما بدؤوا
يقطعونها أغمي عليه .. فقطعوها .. وألقوها جانباً .. فبدأ نزيف الدّم يشتد
عليه ..فغلوا زيتاً ثمّ غمسوا عروق الرّجل فيه حتى توقف الدمّ ..ثمّ
لفـّوا على الرِّجل خرقة .. وانتظروا عند رأسه فلمـّا أفاق .. نظر إلى رجله
المقطوعة ملقية في طست .. تسبح في دمائها ..فقال : إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط . فبدأ
الناس يدخلون عليه ويعزونه في رجله .. ويصبرونه على مصابه ..فلمـّا أكثروا
عليه الكلام .. رفع بصره إلى السماء .. وقال : اللهمّ كان لي أطراف أربعة
..فأخذت طرفاً وأبقيت ثلاثة .. فلك الحمد إذ لم تأخذ ثلاثة وتترك واحداً ..
اللهمّ ولئن ابتليتَ فلطالما عافيتَ، ولئن أخذتَ
لطالما أبقيتَ وكان حوله أولادُه السبعة .. يخدمونه .. ويسلـّونه ..فدخل
أحدهم إلى اصطبل الخيول لحاجة .. فمر وراء حصان فثار الحصان وضرب الغلام
بحافره .. فأصابت الضربة أسفل بطنه .. فمات ..ففزع من حوله إليه .. وحملوه
..فلما غـُسل وكفـّن .. جاء أبوه يتكئ على عكاز ليصلي عليه .. فلما رآه قال
: اللهمّ إنه كان لي بنون سبعة .. فأخذت واحداً وأبقيت ستة .. فلك الحمد
إذ لم تأخذ ستة وتترك واحداً .. اللهمّ ولئن ابتليت فلطالما عافيت، ولئن أخذت لطالما أبقيت .. وَقَدِمَ
عَلَى الْوَلِيدِ أَعْمَى فَسَأَلَهُ عَنْ شَأْنِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ
كَانَ لَهُ أَهْلٌ وَأَوْلَادٌ وَأَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ فَجَاءَهُمْ سَيْلٌ
فَأَهْلَكَهُمْ إلَّا بَعِيرًا وَصَبِيًّا فَنَدَّ الْبَعِيرُ فَاتَّبَعَهُ
، فَجَاءَ الذِّئْبُ فَأَكَلَ صَبِيَّهُ وَلَمَّا لَحِقَ الْبَعِيرَ رفثه
فَأَذْهَبَ عَيْنَيْهِ ، وَذَهَبَ
فَأَصْبَحَ لَا مَالَ وَلَا وَلَدَ فَقَالَ الْوَلِيدُ : انْطَلِقُوا بِهِ
إلَى عُرْوَةَ لِيَعْلَمَ أَنَّ فِي الْأَرْضِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ بَلَاءً
مِنْهُ .
فما أجمل هذا الرضا وما أجمل هذا الإيمان بقضاء الله وقدره .
فما أجمل هذا الرضا وما أجمل هذا الإيمان بقضاء الله وقدره .
حلاوة الجزاء
قال
أبو إبراهيم ،كنت أمشي في صحراء ، فضللت الطريق ، فوقفت على خيمة قديمة
فنظرت فيها فإذا رجل جالس على الأرض بكل هدوء ، وإذا هو قد قطـّعت يداه ،
وإذا هو أعمى ، وليس عنده أحد من أهل بيته ، رأيته يتمتم بكلمات ، اقتربت
منه وإذا هو يردّد قائلاً : الحمد لله الذي فضّلني على كثير ممـّن خلق
تفضيلاً ، الحمد لله الذي فضّلني على كثير ممـّن خلق تفضيلاً .
فعجبت من كلامه وجعلت أنظر إلى حاله ، فإذا هو قد ذهبت أكثر حواسه ، وإذا هو مقطوع اليدين ، أعمى العينين ،وإذا هو لا يملك لنفسه شيئاً ، نظرت حوله ، أبحث عن ولد يخدمه ، أو زوجة تؤانسه ، لم أر أحداً ، فأردتُ أن أمضي ، شعر بحركتي ، فسأل : من ؟ من ؟
قلت : السلام عليكم ، أنا رجل ضللت الطريق ، ووقفت على خيمتك ،
وأنت الذي من أنت ؟ ولماذا تسكن وحدك في هذا المكان ؟ أين أهلك ؟ ولدك ؟ أقاربك ؟ فقال : أنا رجل مريض ، وقد تركني الناس ، وتوفـّي أكثر أهلي ،
قلت : لكني سمعتك تردد : الحمد لله الذي فضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً !! فبالله عليك ! فضلك بماذا ؟!! وأنت أعمى ، فقير ، مقطوع اليدين ، وحيد ،
فقال : سأحدثك عن ذلك ، ولكن سأطلب منك حاجة ، أتقضيها لي ؟
قلت : أجبني ، وأقضي حاجتك .
فقال : أنت تراني قد ابتلاني الله بأنواع من البلاء ، ولكن : الحمد لله الذي فضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً ..أليس الله قد أعطاني عقلاً ؟ أفهم به ، وأتصرف وأفكر ؟ قلت : بلى ، قال : فكم يوجد من الناس مجانين ؟ قلت : كثير .. قال : الحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير تفضيلاً .
أليس الله قد أعطاني سمعاً ؟ أسمع به أذان الصلاة .. وأعقل به الكلام .. وأعلم ما يدور حولي ؟ قلت : بلى .قال : فكم يوجد من الناس .. صمٌ لا يسمعون ؟ قلت : كثير ..
قال : الحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير تفضيلاً .أليس الله قد أعطاني لساناً ؟ أذكر به ربي وأبين به حاجتي ؟ قلت : بلى .. قال : فكم يوجد من الناس بكمٌ .. لا يتكلمون ؟قلت : كثير .. قال : فالحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير تفضيلاً ..
أليس الله قد جعلني مسلماً ، أعبد ربي .. وأحتسب عنده أجري .. وأصبر على مصيبتي ؟؟ قلت : بلى ..قال : فكم يوجد من الناس من عباد الأصنام والصلبان .. وهم مرضى .. قد خسروا الدنيا والآخرة ..؟!!قلت : كثير .. قال : فالحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير تفضيلاً .
ومضى الشيخ يعدّد نعم الله عليه .. وأنا أزداد عجباً من قوة إيمانه .. وشدّة يقينه .. ورضاه بما أعطاه الله ..
كم من المرضى غيره .. ممن لم يبتلوا ولا بربع بلائه ..ممن شلـّهم المرض .. أو فقدوا أسماعهم أو أبصارهم ..أو فقدوا بعض أعضائهم ..ويعتبرون أصحاء لو قارناهم به .. ومع ذلك .. عندهم من الجزع والتشكي .. والعويل والبكاء ..
بل وضعف الصبر وقلـّة اليقين بالأجر .. ما لو قـُسّم على أمـّة لوسعهم
سبحت بتفكيري بعيداً .. ولم يقطعه عليّ إلا قول الشيخ ..
هاه ..!! أأذكر حاجتي ..؟ هل تقضيها .. ؟ قلت : نعم .. ما حاجتك ؟!
فخفض رأسه قليلاً .. ثم رفعه وهو يغص بعبرته وقال :لم يبق معي من أهلي إلا غلام لي .. عمره أربع عشرة سنة ..هو الذي يطعمني ويسقيني .. ويوضـّئني .. ويقوم على كلّ شأني
وقد خرج البارحة يلتمس لي طعاماً .. ولم يرجع إلى الآن .. ولا أدري .. أهو حيّ يُرجى .. أم ميـّت ينسى ..وأنا كما ترى .. شيخ كبير أعمى .. لا أستطيع البحث عنه ،
فسألته عن وصف الغلام .. فأخبرني ..فوعدته خيراً ثم خرجت من عنده .. وأنا لا أدري كيف أبحث عن الغلام .. وإلى أي جهة أتوجـّه ؟! فبينما أنا أسير .. ألتمس أحداً من الناس أسأله عنه إذ لفت نظري قريباً من خيمة الشيخ جبل صغير .. عليه سرب غربان قد اجتمعت على شيء .. فوقع في نفسي أنها لم تجتمع إلا على جيفة أو طعام منثور ..فصعدت الجبل .. وأقبلت إلى تلك الطيور فتفرقت ..
فلما نظرت إلى مكان تجمعها .. فإذا الغلام الصغير ميت مقطع الجسد .. وكأن ذئباً قد عدا عليه .. وأكله ثمّ ترك باقيه للطيور لم أحزن على الغلام بقدر حزني على الشيخ ..نزلت من الجبل .. أجر خطاي .. وأنا بين حزن وحيرة .. هل أذهب وأترك الشيخ يواجه مصيره وحده .. أم أرجع إليه وأحدثه بخبر ولده ..؟! توجهت نحو خيمة الشيخ .. بدأت أسمع تسبيحه وتهليله ..كنت متحيراً .. ماذا أقول .. وبماذا أبدأ ..
مرّ في ذاكرتي قصة نبي الله أيوب عليه السلام ..فدخلت على الشيخ .. وجدته كسيراً كما تركته ..سلمت عليه .. كان المسكين متلهفاً لرؤية ولده .. بادرني قائلاً :
أين الغلام .. قلت : أجبني أولاً .. أيهما أحبّ إلى الله تعالى أنت أم أيوب عليه السلام ؟
قال : بل أيوب عليه السلام أحبّ إلى الله .. قلت : فأيكما أعظم بلاءً .. أنت أم أيوب عليه السلام ؟قال : بل أيوب عليه السلام..قلت إذن فاحتسب ولدك عند الله .. قد وجدته ميتاً في سفح الجبل .. وقد عدت الذئاب على جثته فأكلته ..
فشهق الشيخ .. ثم شهق .. وجعل يردد .. لا إله إلا الله .. وأنا أخفف عنه وأصبره ..ثم اشتد شهيقه .. حتى انكببت عليه ألقنه الشهادة .. ثم مات بين يدي ..غطيته بلحاف كان تحته ..ثم خرجت أبحث عن أحد يساعدني في القيام بشأنه ..فرأيت ثلاثة رجال على دوابـّهم .. كأنهم مسافرين .. فدعوتهم .. فأقبلوا إليّ .. فقلت : هل لكم في أجر ساقه الله إليكم .. هنا رجل من المسلمين مات .. وليس عنده من يقوم به .. هل لكم أن نتعاون على تغسيله وتكفينه ودفنه ..قالوا : نعم ..فدخلوا إلى الخيمة وأقبلوا عليه ليحملوه .. فلما كشفوا عن وجهه ..
تصايحوا : أبو قلابة .. أبو قلابة ..وإذا أبو قلابة .. شيخ من علمائهم .. تكالبت عليه البلايا .. حتى انفرد عن الناس في خيمة بالية .. قمنا بواجبه علينا .. ودفناه .. وارتحلت معهم إلى المدينة ..فلما نمت تلك الليلة .. رأيت أبا قلابة في هيئة حسنة .. عليه ثياب بيض .. وقد اكتملت صورته .. وهو يتمشى في أرض خضراء ..سألته : يا أبا قلابة .. ما صيـّرك إلى ما أرى ؟!
فقال : قد أدخلني ربي الجنة .. وقيل لي فيها ( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) .. ( القصة بتصرف يسير من السير للذهبي ) ..
فيا أخي الغالي يا من ابتلاك الله بالأمراض والأسقام والهموم والغموم احمد الله تعالى على ذلك ، وتذكـّر كلـّما ازداد عليك المرض واشتدّ عليك البلاء أنّ هناك من هو أشدّ منك بلاء وألما ،
ثمّ تذكر عظيم الأجر إن صبرتَ على ما ابتلاك الله به ، وتذكـّر ما نقلته لك آنفا : عن جابر مرفوعاً: (يود النـّاس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء) أخرجه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع .
طبعا لا يعني موضوعي هذا وما نقلته فيه أن يتمنـّى الإنسان أن يبتليه الله تعالى بالأمراض والأحزان بل فليشكر الله تعالى المعافى من الأمراض ربّه على نعمة الصحـّة والعافية عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " . رواه البخاري
وليحمد لا الله تعالى المبتلى ولا يسخط ولا يجزع ولا يتضجـّر ، مع سعيه للعلاج فهذا السعي لا ينافي التـّوكل أو الرضى بقضاء الله تعالى ، فكما أنّ الأمراض من قدر الله تعالى فكذلك العلاج والأخذ بالأسباب .
قال الشيخ الشنقيطي حفظه الله في شرح زاد المستقنع :
وأما إذا اشتكيت وأخذت ذات اليمين والشمال فأنت بين أمرين: إن اشتكيت شكوى للعلاج والأخذ بالأسباب كشكوى المريض إلى طبيبه فهذا من تعاطي الأسباب، وقد اشتكى عليه الصلاة والسلام فقال: (وا رأساه )، وأما إذا كان إخباراً بالحال فلا بأس كما اشتكى عليه الصلاة والسلام فيما ذكرنا، وأما إذا كانت الشكوى تسخطاً من القضاء والقدر فقد ضاقت النفس، وعزب الرشد، وحينها يقول صلى الله عليه وسلم: (فمن سخط فعليه السخط )، نسأل الله السلامة والعافية، فلا تتسخط على قضاء الله وقدره، وارض بما قسمه الرحمن، وانظر إلى من هو أشد بلاء وضرراً، واحمد الله جل وعلا على عافيتك.( انتهى )
وإليك أخي الغالي أخيرا بعض الأدعية المأثورة من القرآن والسنـّة دون أن أعلـّق عليها فهي واضحة بإذنه تعالى :
(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الانبياء:83)
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الانبياء:87)
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أءِِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) (النمل:62)
1:عن عثمان بن أبي العاص أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل : بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شرّ ما أجد وأحاذر " . قال : ففعلت فأذهب الله ما كان بي . (رواه مسلم )
2 : جاءت الشياطين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية ، و تحدّرت عليه من الجبال ، و فيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فرعب ، قال جعفر : أحسبه قال : جعل يتأخر . قال : و جاء جبريل عليه السلام فقال : يا محمد قل . قال : ما أقول ؟ قال : قل : " أعوذ بكلمات الله التـّامـّات التي لا يجاوزهنّ برّ و لا فاجر ، من شرّ ما خلق و ذرأ و برأ ، و من شرّ ما ينزل من السّماء ، و من شرّ ما يعرج فيها ، و من شرّ ما ذرأ في الأرض ، و من شرّ ما يخرج منها ، و من شر فتن الليل و النـّهار ، و من شرّ كلّ طارق إلاّ طارقا يطرق بخير يا رحمن ! " فطفئت نار الشّياطين ، و هزمهم الله عز وجل " .( السلسلة الصحيحة للألباني رحمه الله)
3: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الكرب : " اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي "
(شرح العقيدة الطحاوية الألباني)
4: ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من بلايا الدنيا دعا به يفرّج عنه ؟ فقيل له : بلى فقال : دعاء ذي النون : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين (السلسلة الصحيحة للألباني رحمه الله)
5: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النـّبي صلـّى الله عليه وسلـّم قال من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض ( صحيح الترغيب والترهيب للألباني)
أسأله تعالى أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين ويجعل أمراضهم رفعا لدرجاتهم وتكفيرا لسيّئاتهم .
وأختم بقوله تعالى مخبرا عن إبراهيم عليه السلام أنـّه قال(وإذا مرضتُ فهو يشفين)
وبهذه الأبيات من الشعر :
يا صاحب الهمّ إنّ الهمّ منفرج... أبشر بخير فإنّ الفارج الله
وإذا بُليت فثق بالله وارض به.... إنّ الذي يكشف البلوى هو الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة... لا تجزعنّ فإنّ الصانع الله
والله ما لك غير الله من أحد... فحسبك الله في كلّ لك الله
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلـّى الله تعالى على إمام الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .
فعجبت من كلامه وجعلت أنظر إلى حاله ، فإذا هو قد ذهبت أكثر حواسه ، وإذا هو مقطوع اليدين ، أعمى العينين ،وإذا هو لا يملك لنفسه شيئاً ، نظرت حوله ، أبحث عن ولد يخدمه ، أو زوجة تؤانسه ، لم أر أحداً ، فأردتُ أن أمضي ، شعر بحركتي ، فسأل : من ؟ من ؟
قلت : السلام عليكم ، أنا رجل ضللت الطريق ، ووقفت على خيمتك ،
وأنت الذي من أنت ؟ ولماذا تسكن وحدك في هذا المكان ؟ أين أهلك ؟ ولدك ؟ أقاربك ؟ فقال : أنا رجل مريض ، وقد تركني الناس ، وتوفـّي أكثر أهلي ،
قلت : لكني سمعتك تردد : الحمد لله الذي فضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً !! فبالله عليك ! فضلك بماذا ؟!! وأنت أعمى ، فقير ، مقطوع اليدين ، وحيد ،
فقال : سأحدثك عن ذلك ، ولكن سأطلب منك حاجة ، أتقضيها لي ؟
قلت : أجبني ، وأقضي حاجتك .
فقال : أنت تراني قد ابتلاني الله بأنواع من البلاء ، ولكن : الحمد لله الذي فضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً ..أليس الله قد أعطاني عقلاً ؟ أفهم به ، وأتصرف وأفكر ؟ قلت : بلى ، قال : فكم يوجد من الناس مجانين ؟ قلت : كثير .. قال : الحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير تفضيلاً .
أليس الله قد أعطاني سمعاً ؟ أسمع به أذان الصلاة .. وأعقل به الكلام .. وأعلم ما يدور حولي ؟ قلت : بلى .قال : فكم يوجد من الناس .. صمٌ لا يسمعون ؟ قلت : كثير ..
قال : الحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير تفضيلاً .أليس الله قد أعطاني لساناً ؟ أذكر به ربي وأبين به حاجتي ؟ قلت : بلى .. قال : فكم يوجد من الناس بكمٌ .. لا يتكلمون ؟قلت : كثير .. قال : فالحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير تفضيلاً ..
أليس الله قد جعلني مسلماً ، أعبد ربي .. وأحتسب عنده أجري .. وأصبر على مصيبتي ؟؟ قلت : بلى ..قال : فكم يوجد من الناس من عباد الأصنام والصلبان .. وهم مرضى .. قد خسروا الدنيا والآخرة ..؟!!قلت : كثير .. قال : فالحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير تفضيلاً .
ومضى الشيخ يعدّد نعم الله عليه .. وأنا أزداد عجباً من قوة إيمانه .. وشدّة يقينه .. ورضاه بما أعطاه الله ..
كم من المرضى غيره .. ممن لم يبتلوا ولا بربع بلائه ..ممن شلـّهم المرض .. أو فقدوا أسماعهم أو أبصارهم ..أو فقدوا بعض أعضائهم ..ويعتبرون أصحاء لو قارناهم به .. ومع ذلك .. عندهم من الجزع والتشكي .. والعويل والبكاء ..
بل وضعف الصبر وقلـّة اليقين بالأجر .. ما لو قـُسّم على أمـّة لوسعهم
سبحت بتفكيري بعيداً .. ولم يقطعه عليّ إلا قول الشيخ ..
هاه ..!! أأذكر حاجتي ..؟ هل تقضيها .. ؟ قلت : نعم .. ما حاجتك ؟!
فخفض رأسه قليلاً .. ثم رفعه وهو يغص بعبرته وقال :لم يبق معي من أهلي إلا غلام لي .. عمره أربع عشرة سنة ..هو الذي يطعمني ويسقيني .. ويوضـّئني .. ويقوم على كلّ شأني
وقد خرج البارحة يلتمس لي طعاماً .. ولم يرجع إلى الآن .. ولا أدري .. أهو حيّ يُرجى .. أم ميـّت ينسى ..وأنا كما ترى .. شيخ كبير أعمى .. لا أستطيع البحث عنه ،
فسألته عن وصف الغلام .. فأخبرني ..فوعدته خيراً ثم خرجت من عنده .. وأنا لا أدري كيف أبحث عن الغلام .. وإلى أي جهة أتوجـّه ؟! فبينما أنا أسير .. ألتمس أحداً من الناس أسأله عنه إذ لفت نظري قريباً من خيمة الشيخ جبل صغير .. عليه سرب غربان قد اجتمعت على شيء .. فوقع في نفسي أنها لم تجتمع إلا على جيفة أو طعام منثور ..فصعدت الجبل .. وأقبلت إلى تلك الطيور فتفرقت ..
فلما نظرت إلى مكان تجمعها .. فإذا الغلام الصغير ميت مقطع الجسد .. وكأن ذئباً قد عدا عليه .. وأكله ثمّ ترك باقيه للطيور لم أحزن على الغلام بقدر حزني على الشيخ ..نزلت من الجبل .. أجر خطاي .. وأنا بين حزن وحيرة .. هل أذهب وأترك الشيخ يواجه مصيره وحده .. أم أرجع إليه وأحدثه بخبر ولده ..؟! توجهت نحو خيمة الشيخ .. بدأت أسمع تسبيحه وتهليله ..كنت متحيراً .. ماذا أقول .. وبماذا أبدأ ..
مرّ في ذاكرتي قصة نبي الله أيوب عليه السلام ..فدخلت على الشيخ .. وجدته كسيراً كما تركته ..سلمت عليه .. كان المسكين متلهفاً لرؤية ولده .. بادرني قائلاً :
أين الغلام .. قلت : أجبني أولاً .. أيهما أحبّ إلى الله تعالى أنت أم أيوب عليه السلام ؟
قال : بل أيوب عليه السلام أحبّ إلى الله .. قلت : فأيكما أعظم بلاءً .. أنت أم أيوب عليه السلام ؟قال : بل أيوب عليه السلام..قلت إذن فاحتسب ولدك عند الله .. قد وجدته ميتاً في سفح الجبل .. وقد عدت الذئاب على جثته فأكلته ..
فشهق الشيخ .. ثم شهق .. وجعل يردد .. لا إله إلا الله .. وأنا أخفف عنه وأصبره ..ثم اشتد شهيقه .. حتى انكببت عليه ألقنه الشهادة .. ثم مات بين يدي ..غطيته بلحاف كان تحته ..ثم خرجت أبحث عن أحد يساعدني في القيام بشأنه ..فرأيت ثلاثة رجال على دوابـّهم .. كأنهم مسافرين .. فدعوتهم .. فأقبلوا إليّ .. فقلت : هل لكم في أجر ساقه الله إليكم .. هنا رجل من المسلمين مات .. وليس عنده من يقوم به .. هل لكم أن نتعاون على تغسيله وتكفينه ودفنه ..قالوا : نعم ..فدخلوا إلى الخيمة وأقبلوا عليه ليحملوه .. فلما كشفوا عن وجهه ..
تصايحوا : أبو قلابة .. أبو قلابة ..وإذا أبو قلابة .. شيخ من علمائهم .. تكالبت عليه البلايا .. حتى انفرد عن الناس في خيمة بالية .. قمنا بواجبه علينا .. ودفناه .. وارتحلت معهم إلى المدينة ..فلما نمت تلك الليلة .. رأيت أبا قلابة في هيئة حسنة .. عليه ثياب بيض .. وقد اكتملت صورته .. وهو يتمشى في أرض خضراء ..سألته : يا أبا قلابة .. ما صيـّرك إلى ما أرى ؟!
فقال : قد أدخلني ربي الجنة .. وقيل لي فيها ( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) .. ( القصة بتصرف يسير من السير للذهبي ) ..
فيا أخي الغالي يا من ابتلاك الله بالأمراض والأسقام والهموم والغموم احمد الله تعالى على ذلك ، وتذكـّر كلـّما ازداد عليك المرض واشتدّ عليك البلاء أنّ هناك من هو أشدّ منك بلاء وألما ،
ثمّ تذكر عظيم الأجر إن صبرتَ على ما ابتلاك الله به ، وتذكـّر ما نقلته لك آنفا : عن جابر مرفوعاً: (يود النـّاس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء) أخرجه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع .
طبعا لا يعني موضوعي هذا وما نقلته فيه أن يتمنـّى الإنسان أن يبتليه الله تعالى بالأمراض والأحزان بل فليشكر الله تعالى المعافى من الأمراض ربّه على نعمة الصحـّة والعافية عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " . رواه البخاري
وليحمد لا الله تعالى المبتلى ولا يسخط ولا يجزع ولا يتضجـّر ، مع سعيه للعلاج فهذا السعي لا ينافي التـّوكل أو الرضى بقضاء الله تعالى ، فكما أنّ الأمراض من قدر الله تعالى فكذلك العلاج والأخذ بالأسباب .
قال الشيخ الشنقيطي حفظه الله في شرح زاد المستقنع :
وأما إذا اشتكيت وأخذت ذات اليمين والشمال فأنت بين أمرين: إن اشتكيت شكوى للعلاج والأخذ بالأسباب كشكوى المريض إلى طبيبه فهذا من تعاطي الأسباب، وقد اشتكى عليه الصلاة والسلام فقال: (وا رأساه )، وأما إذا كان إخباراً بالحال فلا بأس كما اشتكى عليه الصلاة والسلام فيما ذكرنا، وأما إذا كانت الشكوى تسخطاً من القضاء والقدر فقد ضاقت النفس، وعزب الرشد، وحينها يقول صلى الله عليه وسلم: (فمن سخط فعليه السخط )، نسأل الله السلامة والعافية، فلا تتسخط على قضاء الله وقدره، وارض بما قسمه الرحمن، وانظر إلى من هو أشد بلاء وضرراً، واحمد الله جل وعلا على عافيتك.( انتهى )
وإليك أخي الغالي أخيرا بعض الأدعية المأثورة من القرآن والسنـّة دون أن أعلـّق عليها فهي واضحة بإذنه تعالى :
(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الانبياء:83)
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الانبياء:87)
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أءِِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) (النمل:62)
1:عن عثمان بن أبي العاص أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل : بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شرّ ما أجد وأحاذر " . قال : ففعلت فأذهب الله ما كان بي . (رواه مسلم )
2 : جاءت الشياطين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية ، و تحدّرت عليه من الجبال ، و فيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فرعب ، قال جعفر : أحسبه قال : جعل يتأخر . قال : و جاء جبريل عليه السلام فقال : يا محمد قل . قال : ما أقول ؟ قال : قل : " أعوذ بكلمات الله التـّامـّات التي لا يجاوزهنّ برّ و لا فاجر ، من شرّ ما خلق و ذرأ و برأ ، و من شرّ ما ينزل من السّماء ، و من شرّ ما يعرج فيها ، و من شرّ ما ذرأ في الأرض ، و من شرّ ما يخرج منها ، و من شر فتن الليل و النـّهار ، و من شرّ كلّ طارق إلاّ طارقا يطرق بخير يا رحمن ! " فطفئت نار الشّياطين ، و هزمهم الله عز وجل " .( السلسلة الصحيحة للألباني رحمه الله)
3: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الكرب : " اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي "
(شرح العقيدة الطحاوية الألباني)
4: ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من بلايا الدنيا دعا به يفرّج عنه ؟ فقيل له : بلى فقال : دعاء ذي النون : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين (السلسلة الصحيحة للألباني رحمه الله)
5: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النـّبي صلـّى الله عليه وسلـّم قال من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض ( صحيح الترغيب والترهيب للألباني)
أسأله تعالى أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين ويجعل أمراضهم رفعا لدرجاتهم وتكفيرا لسيّئاتهم .
وأختم بقوله تعالى مخبرا عن إبراهيم عليه السلام أنـّه قال(وإذا مرضتُ فهو يشفين)
وبهذه الأبيات من الشعر :
يا صاحب الهمّ إنّ الهمّ منفرج... أبشر بخير فإنّ الفارج الله
وإذا بُليت فثق بالله وارض به.... إنّ الذي يكشف البلوى هو الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة... لا تجزعنّ فإنّ الصانع الله
والله ما لك غير الله من أحد... فحسبك الله في كلّ لك الله
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلـّى الله تعالى على إمام الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .
الموضوع منقولمن شبكة أنا المسلم .