محرومون من نعمة الأبوّة بسبب جهل العائلة وإهمال الأطباء

هم كثير من الرجال الذين حرموا نعمة الإنجاب أو في طريقهم لذلك، بسبب إهمال الأطباء أو جهل الوالدين، يولدون بخلل عضوي بسيط ، يسميه الطّب ''اختناق الخصيتين'' ولا يحتاج لأكثـر من دقائق لمداواته جراحيا، إلا أن تجاهله يجعل المصابين به يدفعون الثمن غاليا مدى الحياة.

يتكتمون على مصابهم ويتحملون صدمة اكتشاف العاهة بمفردهم، بما أن الأمر يتعلق ''بالرجولة''، التي تعني في مجتمعنا صفات جسدية أكثر منها خلقية. 


ولأن الأمر يتعلق بالإنجاب، فإن منهم من لا يكتشف المشكلة إلا حينما يتقدم لأداء الخدمة العسكرية، ومنهم من لا يدرك ذلك إلا بعد الزواج، إما عن طريق شريكته أو بتأكيد من الطبيب، إذا تأخر موعد الإنجاب و قبِل هو بالخضوع للفحص، ومنهم من لا يتفطن للأمر طول حياته وربما تكون الزوجة هي من يدفع ثمن جهله بحاله. 


ورغم ألم مصابهم فلا يتوانى الكثير من الأطباء بالمتاجرة فيه، وتضليلهم أكثر وأكثر.
رفض الفحص ففوّت فرصة الشفاء على نفسه
الهواري. م، كان قد مرّ على زواجه خمسة عشر عاما، حين علم أنه السبب في عدم الإنجاب، جرّبت فيها الزوجة كافة أساليب العلاج العصري والتقليدي ولم يفكر هو أبدا في الفحص، ولحسن حظ الزوجين ''رفض الهواري الزواج بأخرى''، وفضل تبنّي طفل من غير صلبه، إلا أن القدر ساقه لحادث سير كان السبب في الكشف عن حالته، وما كان على الطبيب إلا التأكيد أن الوقت قد فاته كثيرا لتدارك عقمه، بعد أن جاوز الأربعين 
عام من العلاج كان كافيا لحصول ''المعجزة''


أما مصطفى (24عاما) فقد كان أكثر حظا من الهواري، وربما كان الإبكار بالزواج وبطلب النسل على عادة أغلبية أهل منطقة المدية في صالحه، إذ بمجرد انقضاء ثلاثة أشهر الأولى، بدأت ملاحظات العائلة القلقة تتسرب لمسامع الزوجين، ما اضطرّهما للإسراع بالبحث عن الخلل. 


ورغم أن مصطفى لم يخبر أحدا بزيارته الطبيب رفقة زوجته خوفا من ردّة الفعل، فقد اضطر في الأخير للإفصاح عن مرضه لوالدته، محمّلا إياها مسؤولية ما وقع فيه، كونها لم تنتبه لكونه ولد بخصيتين مخنوقتين، الشيء الذي لم يسمح بنموهما طبيعيا وقدرتهما على أداء وظيفتهما، بينما حمّلت الوالدة المسؤولية للطبيب الذي أشرف على ولادته، لأنه لم ينبهها للأمر.


ورغم الصدمة فقد قبل مصطفى بجراحة لإنزال الخصيتين بإحدى العيادات الخاصة بالعاصمة، كلفته 50 ألف دينار، اتّبعها بعلاج مركز لمدة سنة كاملة لرفع معدل الحيوانات المنوية. 


وانتهت متاعبه بما سماها هو ''معجزة من الله''، إذ حملت زوجته في السنة الثانية ورزقا بولد.
ويؤكد طبيب مصطفى بأن معدل الحيوانات المنوية عند مريضه كان في البداية معدوما، لكن العلاج تمكن في فترة قياسية من رفعه إلى الحد المطلوب للإنجاب، وهو أمر ممكن جدا في حال الالتزام بكل شروط العلاج. 


بين المشكل النفسي والمرض العضوي.. يفقد المريض أمل الشفاء من الإثنين 


إلا أن نهاية مصطفى السعيدة لا تتكرر كثيرا، لأن سوء الحظ قد يوقع بالمريض في شرك طبيب لا يهمه إلا الربح، فيذهب به إلى أسهل الحلول، كما أن كثيرا من المصابين يتحولون إلى مرضى عصبيّين بسبب الصدمة والكتمان. 


ففريد الذي اكتشف صدفة أن بتكوينه المورفولوجي خلل يستحق القلق، كتم سرّه لأكثر من سنتين دون إدراك لتبعات سكوته، ولم يتنبه أحد لتدهور وضعه النفسي حتى انهارت أعصابه، وبدأ يتحدث عن صور وأصوات لا وجود لها، وعلمت العائلة أن ابنها فقد عقله، لكنها لم تدرك خلفية ما يجري إلا بعد قضائه شهرا كاملا بمستشفى الأمراض العقلية، حيث عرف طبيبه بعد عدة جلسات أنه تعرّض للإهانة والتجريح من قبل أشخاص علموا بحاله.


وتبادل والدا فريد التّهم فيما بينهما حول من يتحمل مسؤولية التنبه للمشكلة في حينها، وانتهى الأمر باستشارة طبيب في القبة بالعاصمة، لم يجد سوى نصحهم بجراحة في عيادته الخاصة لاجتزاء الخصيتين، محذّرا من أن التأخر في إجراء العملية، سيف مسلّط على رقبة ابنهم وقد يصاب في أي وقت بالسرطان.


لكن العائلة لم تتقبل الأمر، وقادها بحثها في النهاية إلى طبيب طمأنها بإمكانية الشفاء أو على الأقل تفادي المرض، بشرط إيقاف الأدوية الخاصة بمرض فريد العقلي، وإلى حدّ الآن لايزال فريد تائها بين مشكلتيه التناسلية والنفسية، بينما الوقت يضيع وتتلاشى معه آمال الشفاء.