رمضان بين العبادة والشهوات



د. مأمون فريز جرار

ها هو شهر رمضان المبارك قد عاد ، عاد وفي قلوب المؤمنين لهفة إلى لقائه ، فهو موسم التوبة والمغفرة والعتق من النار.
هكذا أراد الله تعالى رمضان ، وهكذا هو عند المؤمنين.

ولكنّ لرمضان مفهوماً آخر تولد لدى كثير منا فإذا كان رمضان موسماً تغلق فيه أبواب النار وتفتح فيه أبواب الجنة فإنه لدى كثير منا موسم تنفتح فيه شهوات البطون على مصراعيها ، ويتفنن فيه التجار في عرض البضائع الرمضانية التي تغري العين ، وتثير اللعاب ، وتستفز شهوة الأكل والشرب.

رمضان لكثير منا شهر الإنفاق الذي يتضاعف عما قبله وما بعده من الشهور ، وترصد له ميزانية خاصة ، بل قد يقع بعض الناس فيه في أزمة مالية ، ونسأل : ألهذا شرع الصيام؟ ألا نرى أن واقع الأمر فيه يشير إلى تعديل الوجبات من ثلاث إلى اثنتين مع تغيير في المواعيد ، فالإفطار يقدم ساعات ليكون قبل أذان الفجر.

والغداء يؤخر ساعات ليكون عقب غياب الشمس عند المغرب. وهذا التعديل يفترض فيه أن يقلل من الطعام الذي يتناوله الإنسان لأنه يعني تخفيف وجبة ، وواقع الحال يقول غير ذلك لأن وجبة الإفطار عند المغرب لدى كثير من الناس هي وجبة تعويضية ، يتناولون فيها من السوائل ما فاتهم شربه في نهار رمضان ، ويتناولون من الأكل ما يشبع نهمهم إلى الطعام ، ذلك النهم الذي ضبطوه خلال النهار.


ولو أن آلة تصوير تلفزيونية طافت في البيوت وسجلت أحوال الصائمين عند الإفطار لرأينا عجباً، فهذا يشرب الماء والسوس وألوان العصير حتى يمتلئ بطنه وترتخي عضلاته ومفاصله.

وهذا ينظر إلى المائدة وإذا بها قد جهزت بألوان المقبلات التي يكفي بعضهما ليكون إفطاراً: السلطات والفول والحمص والمخللات والسمبوسك ، وأنواع أخرى من الفطائر.
كل هذا من المقبلات قبل أن تأتي الوجبة الرئيسية.

وإذا حاورت بعض من هذه حالهم سيقول لك:"بدنا نأكل،، طول النهار واحنا صائمين. وما نفعله حلال ، كل ما على المائدة من الطيبات ، وليس فيها شيء من المنكرات. 
" للصيام ظاهر وباطن، فهذا الذي يحبس نفسه عن الطعام في النهار ثم تنفلت عند الإفطار لم يفقه حقيقة الصيام التي تقتضي ضبط النفس ، لا في الحرام وحده ، بل فيما أحل الله تعالى ، مراعاة لصحته ، وبعداً عن الإسراف ، وتذكراً لأحوال الناس الذين يمضون شطراً طويلاً من حياتهم وهم في حال صيام من قلة ما يجدون.

فهل لنا من وقفة مع أنفسنا ومع حقيقة الصيام لننتفع به ، ونكون صائمين حقاً؟،تفيد من الصيام أرواحنا فتستثير ، ونفوسنا فتصفو ، وحياتنا فتستقيم على منهج الله ، وتتحقق لنا النفوس التي هي مقصد الصيام ، ومن بلغ منزلة التقوى فقد نال الخير كله ، لأن التقوى منهج يضبط الحياة ، ويقود صاحبه إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر.

ونعود بالله أن يبدأ رمضان وينتهي ويكون حظنا من الطعام والشراب ، وقليل من العبادة والصلة بالله.