اليوم خمر وغدا (ما هو) أمر
بقلم : حبيب راشدين
بعيدا عن الجدل المشروع حيال حق "حكومة من المسلمين إلى المسلمين" تعمل تحت حراسة دستور مادته الثانية تقول: إن الإسلام دين الدولة، يحسن بنا أن نلتفت إلى الدافع الذي حملها على الدخول في خصام غير مبرر مع مواطنيها في وقت لا يحتمل الخصام، وفي زمن مضطرب يلزمها في الحد الأدنى التقية، إن هي أضاعت التقوى.
عبثا تبحث عن سبب وجيه موضوعي، يبرر لها، ولو عرضا، القفز هكذا في المجهول، والدخول في ما يشبه الاستفزاز الرخيص الأحمق لرأي عام، كان قد خدش وجدانه تعديلات في قانون العقوبات تمسّ الأسرة، أقل ما قيل عنها إنها تجاوزت خطوطا حمراء، كان المستعمر النصراني قد توقف عندها بحذر، فالقرار ليس له أي مبرر اقتصادي.
وما لم نكن قد استُغفِلنا، فإن البلد لم يعد منتجا للخمور، وقد هجر منذ أربعة عقود زراعة الكروم، وأن القليل مما كان يُتداول في بعض الحانات، والمطاعم، والفنادق الكبيرة، هو بالضرورة مستورَد، وليست الجزائر بلدا سياحيا كما هي حال الجيران حتى يرافع عن القرار بدعوى حاجة السوق.
ولأن تحرير تجارة الخمور يقتضي توريدها بالعملة الصعبة، من بنوك مصدرها الأول من العملة هو من عوائد المحروقات، فإن تحرير هذه السلعة، في وقت تشتغل فيه الحكومة على ترشيد واردات البلد ونفقاته، هو قرار لا عقلاني، سوف يحبط الخطاب الذي تزوره الحكومة في نفسها لحمل المواطنين على تحمل سياسة التقشف وتضييق الحزام، والعيش وفق مقدرات البلد التي انخفضت بستين في المائة مع انهيار أسعار المحروقات.
وعلى المستوى الاجتماعي، سوف يكون للقرار تبعاتٌ أخطر، في وقت يواجه فيه البلد آفة انتشار تعاطي المخدرات، وينفق أموالا طائلة في محاربتها، كما له تبعات على مستوى قدرة الآباء في حماية أسرهم من الفساد والخبائث، والخمر عندهم هي بنص القرآن "رجس من عمل الشيطان" وبنص الحديث هي "أم الخبائث" ولا يعقل أنه في الوقت الذي تصدر قوانين جديدة، تدعي حماية الأسرة والمرأة، أن يحرر تعاطي الخمر الذي يأتي على رأس أسباب تفكك الأسر، وتزايد حالات الطلاق، والاعتداء المادي على المرأة، ويشترك مع المهلوسات في مسبّبات زنا المحارم، وحالات الانتحار، وهو معها على رأس كثير من الأمراض الفتاكة التي تكلف خزينة الدولة الكثير، فضلا عن كونه شريكاً في كثير من الجرائم، وحالات الإخلال بالأمن العام.
وحيث إن الأمر كذلك، وإن الحكومة والمشرع هما على علم بها، فما الذي حملهما على ارتكاب هذه الخطيئة، إلا إذا كان الأمر خارجا عن إرادة الحكومة والمشرع،
كما أوحى بذلك أحد وزرائها، وكشف من حيث لا يعلم عن الجهة التي أملت القرار، فالقول كما قال: "إن البلد منخرط في مفاوضات مع منظمة التجارة العالمية، سوف تلزمنا برفع الحظر عن كل سلعة متداولة في السوق العالمية" هو تصريحٌ يحسم الجدل من أوله حول الدوافع التي حفزت الحكومة والمشرّع على اتخاذ قرار مستفز لمجتمع مسلم، كان قد تعايش برضا مع قرارات تضييق هامش تعاطي أم الخبائث، لكنه سوف يفتح جدلا آخر لا طاقة لهذه الحكومة الضعيفة بمواجهته.
الخمر ليست هي السلعة الوحيدة التي توجب المنظمة العالمية للتجارة تحريرها، بل تشترط على المنتسبين فتح الأسواق لكل ما يُنتج ويُتداول في أسواق الدجال، وهي سلع خاضعة لأهواء المشرع الغربي الذي له الحق في تحليل وتحريم ما يشاء، وقد كانت أمريكا تحرّم تجارة وتعاطي الكحول في الثلاثينيات من القرن الماضي قبل أن تعيد تحليلها، وتجتهد برلمانات الدول الغربية، المهيمنة على منظمة التجارة العالمية، لتحليل تجارة وتعاطي بعض المخدرات الخفيفة مثل الحشيش، ولسنا في مأمن من توسيع التحرير والتحليل لما هو ألعن وأخطر من الحشيش، في دول لم تتردد برلماناتها في تحليل اللواط وزواج المثليين، وحللت من قبل الإجهاض دون قيد، وتحلل بالتقسيط الموت الرحيم الذي هو صيغة ناعمة للانتحار والقتل العمدي، ولا نعلم لها حدودا أخلاقية سوف تتوقف عندها.
يكفينا وقتها أن نسأل وزراء حكومتنا عن موقف الحكومة حين يأتي الدور على فتح السوق الوطنية للحم الخنزير، وهو سلعة من سلع المنظمة العالمية للتجارة، وقتها سوف تُخيَّر بين أمرين: إما الامتناع فتتعرض للتغريم، أو الانصياع، وعليها أن تواجه من شعبها ما هو أخطر من التغريم المالي.
الأخطر من ذلك، أن قوانين المنظمة العالمية تشترط على المنتسبين فتح أسواقها أمام سلع جميع الدول المنتسِبة إلى المنظمة، وعلى رأسها بالطبع السلع المنتَجة داخل الكيان الصهيوني المغتصِب، ولن تنفعها وقتها الاستغاثة بقرارات الجامعة العربية بشأن قرارات المقاطعة التي أكل عليها الدهر (الخنزير) وشرب (الخمر) بل إن ما تخفيه الحكومة، وهي تفاوض منذ سنين، أن من شروط الالتحاق التفاوض مع من سبقها من عصبة الدول، وأنها مجبرة على التفاوض مع الكيان الصهيوني كما فعلت بقية الدول العربية والإسلامية التي التحقت بالمنظمة.
بقي أن نشير إلى أن الجهات التي عبرت عن سخطها على قرار تحرير تجارة الخمور أن تلتف إلى ما هو قادم وألعن من هذا القرار، بأن نوجب على الحكومة فتح نقاش وطني جاد حول حاجة الجزائر إلى الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، التي سوف تكون مستقبلا المشرع الأول، ودار الإفتاء الحصري لما هو حلال وحرام مما نأكل، ونشرب، ونلبس، ومن يحل لنا أن نستقبل من السياح، ومن لا يحل لنا مقاطعته من سلع بيت الدجال الأعور، وديار بني إسرائيل.
بقلم : حبيب راشدين
بعيدا عن الجدل المشروع حيال حق "حكومة من المسلمين إلى المسلمين" تعمل تحت حراسة دستور مادته الثانية تقول: إن الإسلام دين الدولة، يحسن بنا أن نلتفت إلى الدافع الذي حملها على الدخول في خصام غير مبرر مع مواطنيها في وقت لا يحتمل الخصام، وفي زمن مضطرب يلزمها في الحد الأدنى التقية، إن هي أضاعت التقوى.
عبثا تبحث عن سبب وجيه موضوعي، يبرر لها، ولو عرضا، القفز هكذا في المجهول، والدخول في ما يشبه الاستفزاز الرخيص الأحمق لرأي عام، كان قد خدش وجدانه تعديلات في قانون العقوبات تمسّ الأسرة، أقل ما قيل عنها إنها تجاوزت خطوطا حمراء، كان المستعمر النصراني قد توقف عندها بحذر، فالقرار ليس له أي مبرر اقتصادي.
وما لم نكن قد استُغفِلنا، فإن البلد لم يعد منتجا للخمور، وقد هجر منذ أربعة عقود زراعة الكروم، وأن القليل مما كان يُتداول في بعض الحانات، والمطاعم، والفنادق الكبيرة، هو بالضرورة مستورَد، وليست الجزائر بلدا سياحيا كما هي حال الجيران حتى يرافع عن القرار بدعوى حاجة السوق.
ولأن تحرير تجارة الخمور يقتضي توريدها بالعملة الصعبة، من بنوك مصدرها الأول من العملة هو من عوائد المحروقات، فإن تحرير هذه السلعة، في وقت تشتغل فيه الحكومة على ترشيد واردات البلد ونفقاته، هو قرار لا عقلاني، سوف يحبط الخطاب الذي تزوره الحكومة في نفسها لحمل المواطنين على تحمل سياسة التقشف وتضييق الحزام، والعيش وفق مقدرات البلد التي انخفضت بستين في المائة مع انهيار أسعار المحروقات.
وعلى المستوى الاجتماعي، سوف يكون للقرار تبعاتٌ أخطر، في وقت يواجه فيه البلد آفة انتشار تعاطي المخدرات، وينفق أموالا طائلة في محاربتها، كما له تبعات على مستوى قدرة الآباء في حماية أسرهم من الفساد والخبائث، والخمر عندهم هي بنص القرآن "رجس من عمل الشيطان" وبنص الحديث هي "أم الخبائث" ولا يعقل أنه في الوقت الذي تصدر قوانين جديدة، تدعي حماية الأسرة والمرأة، أن يحرر تعاطي الخمر الذي يأتي على رأس أسباب تفكك الأسر، وتزايد حالات الطلاق، والاعتداء المادي على المرأة، ويشترك مع المهلوسات في مسبّبات زنا المحارم، وحالات الانتحار، وهو معها على رأس كثير من الأمراض الفتاكة التي تكلف خزينة الدولة الكثير، فضلا عن كونه شريكاً في كثير من الجرائم، وحالات الإخلال بالأمن العام.
وحيث إن الأمر كذلك، وإن الحكومة والمشرع هما على علم بها، فما الذي حملهما على ارتكاب هذه الخطيئة، إلا إذا كان الأمر خارجا عن إرادة الحكومة والمشرع،
كما أوحى بذلك أحد وزرائها، وكشف من حيث لا يعلم عن الجهة التي أملت القرار، فالقول كما قال: "إن البلد منخرط في مفاوضات مع منظمة التجارة العالمية، سوف تلزمنا برفع الحظر عن كل سلعة متداولة في السوق العالمية" هو تصريحٌ يحسم الجدل من أوله حول الدوافع التي حفزت الحكومة والمشرّع على اتخاذ قرار مستفز لمجتمع مسلم، كان قد تعايش برضا مع قرارات تضييق هامش تعاطي أم الخبائث، لكنه سوف يفتح جدلا آخر لا طاقة لهذه الحكومة الضعيفة بمواجهته.
الخمر ليست هي السلعة الوحيدة التي توجب المنظمة العالمية للتجارة تحريرها، بل تشترط على المنتسبين فتح الأسواق لكل ما يُنتج ويُتداول في أسواق الدجال، وهي سلع خاضعة لأهواء المشرع الغربي الذي له الحق في تحليل وتحريم ما يشاء، وقد كانت أمريكا تحرّم تجارة وتعاطي الكحول في الثلاثينيات من القرن الماضي قبل أن تعيد تحليلها، وتجتهد برلمانات الدول الغربية، المهيمنة على منظمة التجارة العالمية، لتحليل تجارة وتعاطي بعض المخدرات الخفيفة مثل الحشيش، ولسنا في مأمن من توسيع التحرير والتحليل لما هو ألعن وأخطر من الحشيش، في دول لم تتردد برلماناتها في تحليل اللواط وزواج المثليين، وحللت من قبل الإجهاض دون قيد، وتحلل بالتقسيط الموت الرحيم الذي هو صيغة ناعمة للانتحار والقتل العمدي، ولا نعلم لها حدودا أخلاقية سوف تتوقف عندها.
يكفينا وقتها أن نسأل وزراء حكومتنا عن موقف الحكومة حين يأتي الدور على فتح السوق الوطنية للحم الخنزير، وهو سلعة من سلع المنظمة العالمية للتجارة، وقتها سوف تُخيَّر بين أمرين: إما الامتناع فتتعرض للتغريم، أو الانصياع، وعليها أن تواجه من شعبها ما هو أخطر من التغريم المالي.
الأخطر من ذلك، أن قوانين المنظمة العالمية تشترط على المنتسبين فتح أسواقها أمام سلع جميع الدول المنتسِبة إلى المنظمة، وعلى رأسها بالطبع السلع المنتَجة داخل الكيان الصهيوني المغتصِب، ولن تنفعها وقتها الاستغاثة بقرارات الجامعة العربية بشأن قرارات المقاطعة التي أكل عليها الدهر (الخنزير) وشرب (الخمر) بل إن ما تخفيه الحكومة، وهي تفاوض منذ سنين، أن من شروط الالتحاق التفاوض مع من سبقها من عصبة الدول، وأنها مجبرة على التفاوض مع الكيان الصهيوني كما فعلت بقية الدول العربية والإسلامية التي التحقت بالمنظمة.
بقي أن نشير إلى أن الجهات التي عبرت عن سخطها على قرار تحرير تجارة الخمور أن تلتف إلى ما هو قادم وألعن من هذا القرار، بأن نوجب على الحكومة فتح نقاش وطني جاد حول حاجة الجزائر إلى الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، التي سوف تكون مستقبلا المشرع الأول، ودار الإفتاء الحصري لما هو حلال وحرام مما نأكل، ونشرب، ونلبس، ومن يحل لنا أن نستقبل من السياح، ومن لا يحل لنا مقاطعته من سلع بيت الدجال الأعور، وديار بني إسرائيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقك يسرنا