قصة ''أهل الكهف'' تتكرّر في باب الوادي : حورية وعائشة لم تبرحا منزلهما منذ 30 سنة

في عصر المتاجر الافتراضية والدفن في القمر هناك في 2008 من ما زال يعيش في عصر أهل الكهف ..لم أصدق وأنا أقرأ هذا الحزن والألم الذي نشرته جريدة الخبر ..
وشعرت بوجع في قلبي هل يمكن أن يعيش بشر بهذا الشكل ولمدة طويلة دون أن يجن تماما ؟؟؟

"لم نكن نصدق تواجد أمثال ''أهل الكهف'' في جزائر 2008، لولا اطلاعنا على الوضع بأم أعيننا واكتشافنا حالة يعجز اللّسان عن وصفها، فـ''حورية'' و''عيشة'' لم تبرحا منزلهما بباب الوادي منذ 30 سنة، ولا تزالان لحد الساعة ترفضان التواصل مع العالم الخارجي ولو للعلاج؛ فهما لا تعرفان من الأدوية سوى ''ريمافيد'' لمواجهة كل الأمراض."
حين سمعنا عنهما وعن الحالة المزرية التي تعيشانها لم نكن نظن أنها بالحجم الذي اطلعنا عليه.. قصة ''أهل الكهف'' تتكرر اليوم بـ 18 شارع الإخوة عشاش (ليفينغ ستون سابقا) في باب الوادي بالجزائر العاصمة... إنهما ''حورية: 41 سنة'' و''عائشة: 36 سنة '' اللتان قدمتا منذ أكثر من 30 سنة لحي باب الوادي.
البداية كانت برحيل الأم إلى بيت أهلها بمنطقة الشلف وكانت الفتاتان آنذاك صغيرتين؛ حيث صادف أن أصيبت والدتهما بمرض عضال تطور إلى شلل، فقرر على إثره الزوج أخذ أم البنتين إلى بيت أهلها، وتركها هناك لتبدأ معاناة صغيرتين انتزعتا من حضن أمهما وحنان أختهما من الأم ''ثمرة زواج أول للأم''، والتي كانت تعيش معهم ورحلت بعدها مع والدتها إلى مدينة الشلف. وجهة البنتين كانت إلى حي باب الوادي بالجزائر العاصمة عند عمتهما؛ حيث اصطحبهما الوالد الذي لم يقدر على التكفل بهما وسنهما لم تكن تتجاوز السادسة للصغرى والعاشرة للكبيرة، فتركهما ليرجع إلى زرالدة قبل أن تنقطع أخباره تماما ماعدا بعض الزيارات المتقطعة في بداية الأمر.. وبقيت الفتاتان في رعاية العمة التي كانت تعمل منظفة.. أدخلتهما خلال السنة الأولى إحدى مدارس المنطقة، لكن مع ضغط المتطلبات المادية التي تلزم رعاية بنتين أخرجتا من المدرسة لتلزما البيت... ويعود ذلك إلى أكثر من 30 سنة مضت دأبت العمة خلال جزء كبير منها على حياة أشبه ما تكون باللغز، إذ لم تكن تصطحب الأختين إلى خارج المنزل إطلاقا، بل كانت، حسب ما أكدته لنا جارتها، تتوجه إلى عملها صباحا بعد أن تحكم إقفال باب المنزل.. واستمرت الحال على ذلك المنوال طيلة 20 سنة لم تكن خلالها العمة، غير المتزوجة، تكلم أحدا من الجيران، إلى أن صادف تعرضها لمحاولة سرقة عداد الكهرباء من الخزانة المخصصة لذلك والمتواجدة على مستوى سلالم العمارة مما تطلب تدخل الجارة التي تولت فيما بعد رعاية البنتين؛ حيث بادر زوج هذه الأخيرة بطلب وضع مفتاح لخزانة العداد، وسلمته بعدها زوجته لجارتها العجوز التي عرضت عليها التعرف على ابنتيها مثلما ادعت. وكانت تلك أول مرة تقع فيها أعين الفتاتين على شخص ثان غير عمتهما بعد مدة طويلة من عيشهما معها.
الجارة..الصلة الوحيدة مع العالم الخارجي
تشاء الصدف أن تموت العمة بعد مدة لا تتجاوز الـ 15 يوما من تلك الحادثة لترفض الفتاتان آنذاك دفنها خوفا من مصير مجهول حيث لم يتم ذلك إلا بعد إصرار كبير من قبل الجارة التي كانت الوحيدة التي تأخذ الفتاتين.. وبقيت حورية وعيشة لوحدهما غريبتين ومقطوعتين من شجرة، فلا من قريب يتكفل بهما غير تلك الجارة التي باتت المسؤولة الوحيدة عليهما، وكان من الضروري إيجاد حل لهما حيث توصلت إحداهما للحصول على رقم هاتف أحد أبناء عمومتها ليتم الاتصال به، وكان التواصل مع الوالد الذي التحق بابنتيه أواخر عام 1999 بعد انقطاع دام أكثر من 07 سنوات حيث أنه قبلها كان يزورهما بين الفينة والأخرى لينقطع بعدها تماما.. وكانت تلك بداية معاناة أخرى حيث لم يعد والدهما يخرج تماما من البيت، رغم أنه خلال السنوات الأولى من مجيئه كان يتولى شراء حاجيات البيت لكن انقطاعه عن العالم الخارجي بدأ بشكل تدريجي، إذ تقلص خروجه إلى نهاية كل شهر يقوم خلالها بتسلم تلك المنحة الصغيرة التي كان يتقاضاها شهريا، لينقطع منذ 03 سنوات عن العالم الخارجي تماما.. وباتت الجارة وزوجها يتوليان أمور الثلاثة من ابتياع ضروريات العيش من خبز وحليب وغيرهما من المواد الضرورية التي يتبرع بأثمانها أهل الحي، كما تتولى الجارة تسديد فواتير الغاز والكهرباء والماء و.. و.. بل وحتى إخراج قمامة البيت.
والغريب في الأمر أن الدواء الوحيد الذي يطالب به ثلاثتهم ممثل في ''ريمافيد'' الذي يستعملونه لمعالجة كل الأمراض التي تصيبهم .. فهل تتصورون أن لا يقصد أحد الطبيب طيلة 30 سنة.. مما انعكس سلبا على صحتهم؛ حيث وجدنا أمامنا فتاتين شاحبتين وضعيفتي البنية ناهيك عن معاناة إحداهما. ويتعلق الأمر بـ ''عيشة'' من مضاعفات عقلية؛ حيث يتراءى لها أن أختها تسحرها وتود قتلها بالتواطؤ مع الجيران الذين كانت عمتهم تنهرهما عن التواصل معهم.
ويكفي أن ذات الفتاة تنام بالمطبخ الذي لا تتعدى مساحته المتر المربع الواحد، خاصة أن الشقة مكونة من غرفة واحدة، كما أنها تقوم بتصرفات غريبة حيث تعمد لحرق خرق بالية من ملابسهما يوميا، حسب شهادة الجارة. وهي الرائحة التي وقفنا عليها خلال زيارتنا بيت الفتاتين مصطحبين بجارتهما المعتادة إلى جانب آثار حروق على يديها.
طعامه حليب و''مادلين ''
أما حالة والدهما فحدث ولا حرج؛ فلقد وجدناه عبارة عن هيكل عظمي ممدد أرضا على فراش بال؛ حيث أكد لنا الجار أنه على تلك الحال منذ ستة أشهر مضت، ولا يقتات إلا بالحليب و''المادلين'' الذي تبتاعهما له الجارة، ناهيك عن ''الشمّة'' التي لا يستطيع الاستغناء عنها.
اليوم وأمام تأزم وضع ذات العائلة، حيث باتت الفتاتان تتخاصمان باستمرار، خاصة أن الصغرى تستعمل السكين لتهديد أختها، تقول الجارة، لم يبق لي خيار سوى توجيه نداء للسلطات العمومية، وعلى رأسهم وزير التضامن لإيجاد حل لهاته العائلة التي لم ترفض أن ترى النور، خاصة أننا اقترحنا نقل الوالد إلى مستشفى وعرض الفتاة الثانية على طبيب أسنان في ظل تدهور حالة أسنانها كليا، لكن الرفض كان جوابهم متذرعين بانتظارهم لأفراد عائلتهم الذين سيأتون يوما لانتشالهم من حالتهم. أما عن خوفهم من الخروج فعللته الفتاتان بوجود إرهابيين يتربصون بهما وأشخاص يستعملون ''البولتيك''، حسب رأيهما للإساءة لهما، وأنه لا أمان لهما في غير تلك الغرفة التي تأويهم منذ أكثر من 30 سنة.
فهل من منقذ لعائلة من ''أهل الكهف'' في باب الوادي
؟لاحول ولا قوة الا باله العلي العظيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك يسرنا