الواسطة نمقتها ولكننا نمارسها

بقلم : حمد بن عبد الله القاضي

** ينظم كثير منا المعلقات.. في مقت "الواسطة" ورميها بأقسى النعوت.. وسيئ الصفات.. وذلك في أحاديث المجالس وميدان المثاليات.
لكننا - مع كل ذلك - نمارسها.. ونلجأ إليها.. وأحياناً نستخدمها "باللي يسوى واللي ما يسوى"..!
بل أننا عندما نحتاج إلى هذه الواسطة نلبسها أحلى الثياب.. ونصفها بأجمل الصفات.
إنها هنا تكون مروءة
ومساعدة
وقضاء لحوائج الناس..!
***
وفي تقديري البسيط..!
إن المغالاة في ذم الواسطة إلى درجة الخطيئة.
أو الغلو في إطرائها إلى درجة المروءة في كل الأحوال إسراف وشطط..!
إنما الحق
أن الواسطة تكون محمودة عندما تساعد محتاجاً.. أو تعرف بإنسان.. أو تكون شفاعة عند ذي جاه لا يعرف المشفوع له.
وهي تكون مذمومة
عندما تسلب حقاً
أو تقر باطلاً أو تعطي انساناً ما لا يستحق
أو تأخذ من انسان ما يستحق.
***
وفي منهجنا الاسلامي
ما يقرر هذا السلوك.. بل ويحث عليه.
فإذا كانت "الواسطة" من النمط الأول..
فالله يقول في كتابه العظيم (ومن يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها)
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "اشفعوا تؤجروا".
ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث مؤثر "لأن أمشي مع أخي في حاجة خير لي من أن أعتكف في مسجدي هذا شهراً ".
وأحاديث كثيرة كلها تحث على مساعدة الناس والشفاعة لهم واعانتهم على أخذ حقوقهم.
وتراثنا العربي مليء بما يحبذ مثل هذه المكارم. ألم يقل الشاعر وقد صدق:
وأحسن الناس بين الورى رجل
تقضى على يده للناس حاجات
***
** لكن هناك - في تقديري - شروطاً لابد أن تصاحب هذه الوساطة لكي تكون "شفاعة" حسنة، ومروءة محمودة، وفيها خير في الدنيا وأجر في الآخرة.
وهذه الشروط هي:
أولها: أن تكون شفاعة حسنة ينطبق عليها قول الله تعالى: (ومن يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها)
والشفاعة الحسنة كما قال المفسرون هي: "السعي لحصول غيره على الخير فيكون له من شفاعته نصيب من الثواب".
ثانيها: ألا تكون شفاعة سيئة، و"الشفاعة السيئة"، قال عنها المفسرون: "انها السعي لايصال الشر إلى غيره فيكون للمرء نصيب من الاثم".
وهي التي ينطبق عليها قول الله تعالى: "ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها".
ثالثها: أن يضع طالب الشفاعة في اعتباره وقبل أن يطلب الشفاعة، عدم وضع الشافع في موقف حرج يؤدي الى مخالفة نظام أو سلب حق بل يشعره انه انما يطلب منه المساعدة في حدود ما يقدر عليه.
وكم يكون رائعاً لو وضع الشافع قول الرسول صلى الله عليه وسلم أمام عينيه وهو يطلب الشفاعة من أحد "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول هذا القول وهو يبلغ أمور الدين، فما بالنا نحن البشر ونحن نبلغ ونطلب أمور الدنيا.
رابعها: كم يحسن بالانسان ان يقدم الشفاعة بطيب نفس.. وسعادة قلب لأن ذلك أولى بتحقيق المطلوب.. وأدعى لارتياح المشفوع له.. ولكن عندما يقدمها الانسان مكرهاً أو متضجراً أو يتبعها بمنٍّ أو أذى فانه حتى لو حقق المطلوب ربما لا يكسب حمد ودعاء المشفوع له.
***
** وعلاوة على ذلك فان على الانسان الذي يحتاج الناس اليه أن يحمد الله على ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: "من كثرت نعمة الله عنده كثرت حاجة الناس إليه" أو كما قال.
بل على الإنسان أن يحمد الله على أن الناس يحتاجون اليه وهو لا يحتاج اليهم، فالامام الشافعي يقول:
 واشكر فضائل صنع الله اذ جعلت
اليك لا لك عند الناس حاجات
وليتذكر الشافع أن تعب مساعدة الناس يهون كثيراً أمام تعبه ومذلته في طلب الحاجة منهم.
وليتذكر الواحد منا أن الانسان قد يكون قادراً اليوم على مساعدة الناس وهو على صهوة كرسيه، أو قمة ثرائه، أو عز جاهه.
ولكن قد يأتي يوم لا يستطيع فيه أن يساعد انساناً، أو يقدم معروفاً.
وكم يجمل بالانسان الذي مكنه الله من القدرة على خدمة الناس.
كم يجمل به أن يتذكر هذه الحقيقة قبل أن يبتعد عن الكرسي أو يبتعد الكرسي عنه أو قبل أن تنفذ ثروته، أو يقعد به مرض، أو يزول عنه جاه.
** خامسها وأخيرها: أن يعذر المشفوع له الشافع، والمشفوع لديه - عندما لا يتحقق له ما يريد بسبب نظام أو ظرف أو عدم امكانية تحقيق المطلوب لأي سبب من الأسباب "وأعقل الناس أعذرهم للناس" كما جاء في الأثر.
***
هنا - في تقديري مرة أخرى -
تكون الواسطة :
شفاعة تنفع الآخرين ولا تضرهم، وتنشر المحبة بينهم، وتسهم في ايصال الحق لمن هم له أهل.
أجل هنا - فقط -
تكون الواسطة مروءة ونبلاً
وأسأل الله أن يجعلنا جميعاً من مفاتيح الخير إلى الخير.